الصديقان جمعتهما السرقة وفرقهما القتل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمير وسامي.. اصدقاء إلي الأبد.. هكذا كان يقول كل منهما للآخر في أي مناسبة أو ضائقة يمران بها سويا .. جمعتهما الجيرة والعلاقات الاسرية الوطيدة منذ نعومة اظفارهما .. التحقا بمدرسة واحدة ولأن اسماءهما متشابهة فقد درسا في فصل واحد.. فكان الطفلان يقضيان اليوم بطوله ملتصقين في مقعدهما الصغير يلوذ كل منهما بالاخر ويحتمي بصديقه داخل هذا المجتمع الجديد والغريب عليهما. شقاوة الاطفال داخل الفصل جعلت منهما ما يشبه العصابة في "خناقات" لا تنتهي بين الاطفال ويخرج الاثنان يمسك كل منهما بيد زميله بعد انقضاء اليوم الدراسي .. يقضيان ما بقي من النهار في اللعب واللهو حتي يعود الواحد منهما الي بيته يبحث عن فراش يأويه لا يقوي علي شيء غير ذلك لا يري شيئا ولا يعرف شيئا سوي صديقه .. وتلخصت الحياة كلها في هذا الصديق.. واستمر الطفلان علي علاقتهما وارتباطهما سنوات الطفولة التي سرعان ما انقضت ببراءتهما وشقاوتهما ولهوهما وشعر الشابان بأنهما كبرا فجأة بعد ان انهيا تعليمهما المتوسط وحصل كل منهما علي دبلوم تجارة بالكاد بعد صر اع مرير مع الدراسة .. وفكر الصديقان معا في المستقبل وكيف يمكن ان يعتمد كل منهما علي نفسه ويخوض غمار تلك الحياة بشهادته المتواضعة وبدأت رحلة البحث عن عمل.
كانت رحلة البحث عن العمل شاقة للغاية ولأول مرة يصطدم الصديقان بالحياة ويشعران بمدي قسوتها وجبروتها في مواجهة شابين لا حيلة لهما في مواجهتها .. بدأت الرحلة الشاقة بمتابعة الوظائف الخالية بالجرائد والتي لم تقدم لهما جديدا وتطور الامر الي حد تسول العمل أو قبول أعمال دنيا.. المهم العمل ولكن كل محاولاتهما باءت بالفشل.. وتسلل اليأس الي نفوسهما حتي كاد يخنقهما .. وقبل ان يستسلما لهذا الفشل ويطحن اليأس عظامهما حدثت المفاجأة .. عرض عليهما شخص العمل باحدي الشركات الاستثمارية الجديدة باحدي المدن الصناعية واشترط الاقامة بجوار العمل.. ولم يتردد الشابان في الموافقة لحظة .. وذهبا في الصباح الباكر الي الشركة وعمل احدهما صرافاً بخزينة الشركة التي تعمل في التسويق العقاري بينما عمل الاخر بوظيفة اداري.. لم يكن الراتب الشهري الذي يتقاضاه الشاب يكفي لان يبدأ حياته إلا ان هذا هو المتاح الوحيد امامهما.. ومرت الايام سريعا وزادت المسئوليات علي كاهل الصديقين ومطالب المعيشة ومازال راتبهما كما هو.. واصبح لقاء الصديقين اليومي محصورا في ان يشكو كل منهما وجيعته لرفيقه ويتحدث عن امال وطموحات ما يجرؤ علي ذكرها امام احد رغم انها لا تزيد عن احلام كل الشباب.. أحلام متواضعة لا تعدو اربعة جدران يعلو فيها صراخ الصغار وتدفئها زوجة حنون.. حلم بسيط وضئيل إلا أنه كان بمثابة المستحيل ومجرد التفكير فيه نوع من الطموح غير المبرر .. وتحد صارخ لواقع بخل عليهما الا بفتات العيش.. وتحولت لقاءات الفضفضة بين الصديقين الي مآتم يومية يعود بعدها كل منهما الي منزله يحمل فوق رأسه جبالا من اليأس والاحباط وفقدان الثقة والأمل في المستقبل والذات معاً.
ولم يكن الأمر رغم مرارته يحرك في جوانبهما أي نوع من التمرد علي الواقع الي ان التقي احدهما بفتاة احلامه واصبح الحلم الذي كان بمقدوره ان يدفنه في صدره حتي يأتي الفرج.. أما الان فقد اصبح هناك شخصا آخر يلح من أجل تحقيق الحلم بأي ثمن.
التقي الصديقان كعادتهما في جلسة الشكوي اليومية للبكاء علي حالهما الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا.. لكن هذا اليوم لم يكن مثل كل الايام.. فقد انهار الصديق العاشق وارتمي في صدر صديقه يخبره بأن محبوبته تهدده بتركه ان يتقدم لزواجها فورا وسأله ماذا يمكن ان يفعل في ظل تلك الظروف الحالكة السواد وذلك الحرمان الذي يغلف حياتهما.. في تلك الليلة لم يهن الصديق علي صديقه وتحولت الدموع المنهمرة الي سياط يلهب اجسادهما وتروي مشاعر الحقد والنقمة وتسلل الشيطان الي عقولهما فانزلقا سويا في بئر الشر السحيقة وراحا معا في طريق الندامة عندما قررا سرقة خزينة الشركة.. وجفت الدموع وهدأت العواطف وسيطرت عليهما افكار الشر والرغبة في جمع المال مهما كانت الظروف وبأي طريقة.. ولم يكن امامهما سوي التفكير في الشركة التي يعملان بها.. والتي امتصت دماءهما لسنوات بذلك الراتب الضئيل .. وبرر لهما الشيطان افكارهما حتي وصلا الي القرار.. وعقد الصديقان العزم علي سرقة خزينة الشركة والتي تكتظ بالاموال .. واعدا الخطة وظنا ان أمرهما لن يفتضخ ولن يستطيع ان يكشفهما أحد .. خاصة ان الخزينة عهدة احدهما وببساطة عليه ان ينقل الاموال الي منزل صديقه ويعود الي الشركة ليلا بحجة "الجرد" ثم يحدث بنفسه عدة اصابات ويدعي بأن اشخاصا اقتحموا الشركة ليلا واعتدوا عليه وأوثقوا يديه وقدميه وسرقوا كل ما تحتويه الخزينة من أموال وبعد ان انصرفوا استغاث بالجيران وبالفعل قام بتنفيذ السيناريو كما اتفقا عليه ولكن النتيجة كانت علي غير ما توقعا.
لم تقتنع الشرطة بالرواية خاصة ان حارس العقار اكد انه موجود طوال الليل ولم يترك مكانه ولم يدخل أي شخص الي العقار وتم احالته الي النيابة التي أمرت بحبسه واحالته لمحاكمة عاجلة وقضت المحكمة بحبسه 5 سنوات مع الشغل والتقي بصديقه بعد الحكم والذي هون من الامر وقال له ستخرج لتجد الاموال في انتظارك وتبدأ حياة جديدة من الرفاهية بعد سنوات الحرمان فالأمر يستحق التضحية.. وذكره بايام الفقر التي قضياها معا قال الصديق الطليق لصديقه ما معني الحياة وانت محروم من كل شيء وطلب منه الصبر والتماسك والا يضعف أو ينطق بكلمة.
كانت سنوات السجن تمر بطيئة متثاقلة ورغم كل ما فيها من مرارة وألم إلا ان الصديق الحبيس كان يصبر نفسه بحياة رغدة بعدها فطاقة النور التي كانت في نهاية النفق المظلم كفيلة بأن تهون عليه طول الليالي.. ومرت السنوات الخمس وخرج الصديق الي الحياة من جديد يبحث عن صديقه الذي انقطع عنه منذ فترة بحجة دفع الشكوك عنه ليجد المفاجأة القاسية.. الصديق ترك منزله ولا يعرف عنه أحد أي شيء منذ سنوات وانقطعت اخباره عن الجميع وشعر صديقه بأنه قد خدع وان سنوات عمره ضاعت هباء وجن جنونه وفقد عقله وظل يبحث عن الصديق ويجمع أخباره من كل مكان ولم يجد سوي البدء من حيث تعيش أسرة الصديق في حيهم القديم حيث الطفولة والصبا.. واستطاع بعد جهد جهيد ان يصل الي عنوانه الجديد فهرع اليه والتقي به بعد سنوات وقبل ان يسلم عليه سأله بعصبية.. أين حقي؟
فطلب منه الدخول اولا وتقدم خطوات الي الداخل وهو يقول "أريد حقي" أغلق الباب خلفه وقد تطاير الشرر من عينيه والصديق يحاول تهدئته وهو يقول: "سأعطيك ما تشاء" فرد عليه بحدة وعنف "الان" فأخبره ان كل الاموال في تجارة ولا يستطيع الان منحه شيئا ويحتاج الي فترة لتدبير أمره.. وعندما سمع صديقه ذلك انفجر مثل البركان واخرج من طيات ملابسه سكينا كبيرا وانهال عليه حتي سقط غارقا في دمائه وقد لفظ انفاسه الاخيرة.. وتجمع الجيران الذين أبلغوا الشرطة والقي القبض علي المتهم الذي اعترف بجريمته وبإحالته الي المحاكمة محبوسا قضت محكمة جنايات القاهرة عليه بالسجن 10 سنوات مع الشغل والنفاذ.